الطوفان وحرب الأحد عشر يوماً


سكت هدير الطائرات ، وأصوات الانفجارات ، وعاد الجنود إلى بيوتهم ، الجميع أعلن انتصاره في هذه الحرب الكذبة ، الولايات المتحدة ، إسرائيل ، إيران ، الكل منتصر ، إلا غزة لم يسكت فيها صوت الرصاص وأصوات الانفجارات ، ولا توقفت ألة الموت ولا عداد الشهداء ، بل ازداد بوتيرة أسرع ، 

عاد الجنود لتحتفل بهم الأمهات والزوجات والابناء ، إلا اطفال غزة ما زالوا يتراكضون للحصول على رغيف خبز عند مصائد الموت التي نصبها لهم الاحتلال فيما يسمى بالمساعدات الإنسانية ، هل تأمر الجميع على غزة ؟ وهل ما حدث منذ طوفان الأقصى مخطط شيطاني تأمر الجميع فيه على القضية الفلسطينية ؟

   في السابع من أكتوبر من العام 2023 وحين انفجر ما يسمى بطوفان الأقصى ، أعلنا أن نتنياهو بدأ بتنفيذ مخططاته وتجسيد أحلامه وأن الطوفان هى كلمة السر التي بدأ معها تنفيذ مخططاته ، كان الداخل الإسرائيلي منقسم على نفسه ، تعصف به بين اقطابه السياسية والقانونية والإدارية ، وكانت الدعوات لإسقاط حكومة نتنياهو تتزايد ، كان نتنياهو المطلوب للعدالة بتهم الفساد وخيانة الأمانة قاب قوسين أو أدنى من أن يتم وجه في السجن ، وكان اليمين الديني والقومي المتطرف يبتز نتنياهو المضطر للتساوق حتى لا ينهار الأتلاف الحكومي ويزج نتنياهو في السجن ، كانت مخططات نتنياهو وفريقه المتطرف العمل على أحداث إصلاحات قضائية تكون على مقاسه ومقاس اليمن المتطرف تحميه من المحاكمه بتهم الفساد وتحصن الحريديم من الخدمة في الجيش ، وقد أحدث ذلك انقساما في الشارع الإسرائيلي كاد أن يسقط الحكومة أو يفجر حرب أهلية ،كان لابد  لنتنياهو من مخرج أو طوق نجاه ، فجاءة طوفان الأقصى خير منقذ ، له ولحكومته الفاشية ليخرجها من مأزقها.

   لقد كان الطوفان خير قارب نجاة استطاع نتنياهو وحكومته الإبحار عبره لإنجاز مخططاته بعد أن صعد الكل الإسرائيلي على متن هذا القارب مبحرين في الدم الفلسطيني.

    وأنا هنا لا اقلق مما حدث في ذلك اليوم ، ولا أقلل من قيمة تلك الصلة من الرجال الذين احدثوا ذلك الخرق في الجدار الأمني الإسرائيلي الذي اهتزت معه أرجاء المعمورة ، وهنا اقصد ذلك المقاتل التواق لمقاتله عدو يحتل ارضه ، لا يهمني هنا بعض القيادة المتأمرة التي قادته إلى معركة غير محسوبة النتائج ، بأوامر خارجيه وخدمة لاجندات خاصة ، وغير ذلك من أسباب كان نتيجتها ما حدث في غزة من مأساة حقيقية.

   لم يكن محور ما يسمى بالمقاومة أكثر من مشروع إيراني اختلقته لتعبر من خلاله للمنطقة لتحقيق اطماعها وأحلامها ومشاريعها ، استطاعت إيران بنظام ملاليها ومباركة صهيونية أن تستميل لها بعض الاغبياء الذين اعماهم الجهل والفساد والمال والسلطة ، فتساوقوا مع مايسمى بمحور المقاومة ، والذي لم يكن أكثر من مشروع تدميري يهدف لتقاسم المصالح والنفوذ والثروات ، كانت القدس هى مفتاح السر الذي استطاع شياطين ملالي التلويح به لدغدغة مشاعر الاغبياء .

   طوفان الأقصى كان نقطة البداية والتحول في الصراع الداخلي في إسرائيل والذي كاد أن يطيح بنتنياهو وحكومته ، وليتحول الرأي العام العالمي مساندا وداعما للاحتلال وجيشه فيما قام به في قطاع غزة ، والبداية لنتنياهو لتنفيذ مخططاته بإقامة إسرائيل الكبرى أو إسرائيل التوراتية ، وترتيب خارطة المنطقة حسب منظورة في ظل تعاطف دولي واسع نتيجة ما خلفه ما سمى بطوفان الأقصى .

   انتظر الجميع رد فعل محور ما يسمى بالمقاومة والتي شكلت حماس والجهاد الاسلامي فرعها الفلسطيني ، كان الجميع ينتظر كلمة المحور على عدوان غاشم ضد الشعب الفلسطيني ، جاء الرد باهتاً من حزب الله في لبنان ، ومن جماعة الحوثي في اليمن ، كان الجميع ينتظر رد إيران زعيم المحور وصاحب الكلمة الفصل ، التزمت إيران الصمت إلا من بعض تصريحات تنديد واستنكار ووعيد وتهديد ، لكن لا فعل مساند ، اوعزت لاذرعها في لبنان واليمن ببعض المناكفات المحسوبة ، والتي كانت تخدم مصالحها في مفاوضاتها في الملف النووي وتقسام النفوذ في المنطقة ، في ظل ترتيبات تجري لما يسمى بشرق أوسط جديد ، حتى أنها كانت توعز لمفاوضي حماس بإفشال الوصول لأي اتفاق في محاولة منها لإطالة الحرب حتى تنهى مفاوضاتها حول ملفها النووي ، وما ايعازها لجماعة الحوثي ذراعها اليمني بقصف سفن الملاحة في البحر الاحمر وباب المندب وتهديد الملاحة البحرية ، إلا نوع من الضغط على المجتمع الدولي لحصد أكبر المكاسب في مفاوضاتها هى ، وهنا يجب النظر كم أضر ذلك بمصر التي تعاني وضع اقتصادي صعب نتيجة تراجع عوائد قناة السويس ، حيث أرادت طهران من وراء ذلك الضغط والتأثير على الموقف المصري في المفاوضات التي كانت تجري لوقف العدوان على غزة.

   ناورت إيران وملاليها طوال عام ونصف لإفشال كل ما طرح من مشاريع لوقف العدوان على غزة ، وذلك عبر تأثيرها على أصحاب القرار في حماس الذين رضخوا لقرار ممولهم متناسين مصلحة شعبهم الذي كان يباد في غزة ، لقد مارست طهران دوراً سلبياً في الحرب على غزة ، ولم تقدم أي دعم للشعب الفلسطيني ، بل كل ما قدمته كان لعملائها في حماس .

   جاءت حرب الاثنى عشر يوماً لتقلب كل الحسابات ، فبعد الحرب لن يكون كما قبله ، حاولت إيران منذ العام 1979 فرض نفوذها وسيطرتها على المنطقة فيما سمى تصدير الثورة ، الآن تجد عليها مراجعة حساباتها ومخططاتها بعد أن رفضتها شعوب المنطقة ، نتيجة سياستها المدمرة في المنطقة طول العقود السابقة ، وستجد نفسها أمام خيارات مختلفة ، فأما أن تعتمد سياسة حسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الدول الأخرى ، وإما ستبقى منبوذة مارقة على الشرعية الدولية .

   لقد دفعت القضية الفلسطينية افدح الخسائر نتيجة التدخل الإيراني في الشؤون الفلسطينية عبر أذرع وأدوات اعتمدت عليهم ومولتهم وسلحتهم ودفعتهم للعمل ضد السلطة الشرعية ومنظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، فكان الانقسام والانقلاب الذي قادته حماس في قطاع غزة مثلاً صارخاً على هذا التدخل دفع الشعب الفلسطيني وقضيته ثمن هذه السياسة العدوانية لملالي إيران وحاكميها.


لواء / مستشار 

مأمون هارون رشيد - فلسطين

أحدث أقدم

نموذج الاتصال